" حياة الآنسة دلال " لـ يمنى شالاتي -->

إعلان أدسنس

آخر المواضيع

breaking/مقالات/9

الجمعة، 10 نوفمبر 2017

نوفمبر 10, 2017

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي
حياة " الآنسة "دلال
(#مفاجأة غير متوقعة)
قميصٌ حريريٌّ، وشاحٌ بعقدةٍ مرخيّةٍ،وطلاءُ أظافرَ صارخ.
بنطالُ جينزٍ مهترئِ الرّكَب، كنزةٌ بدبابيسَ فضيّة مبعثرةٍ مع شامةٍ فوقَ الشّفّة
بل فستانٌ زهريٌ ، شعرٌ مسدلٌ و حذاءٌ يرتفع خمسةَ عشرَ سنتيمراتٍ عن الأرض،ومُلْصَقُ الدمعةِ الّامعةِ على صِدغي، سَتَفي بغرَضِ سرقةِ انتباهِه وزيادَةِ سُرعةِ بُؤبؤ عينِهِ الكسول.
خياراتٌ عديدةٌ من الألوانِ والأقمشةِ والملابسِ والعطورِ والمكياج تدورُ في رأسِ الآنسةِ دلال ذات السبعة وثلاثين عاماً صباحَ كلّ يوم، تتخبَّط حيرةً في انتقاءِ ما يليقُ بها، لا تملُّ التذمُّرَ من خزانةِ ملابسِها التي تَخلُو من كل ما يُظهر جمال جسدها الرشيق الأشبهِ بلُعبة الباربي على حدِّ زَعمِها ، لابُدّ أن تكون غايةً في الأناقة، كيفَ لا وهيَ تشغلُ منصِبَ مساعِدَة المدير في أكبرِ شركاتِ مزوِّدِ الإنترنت!
وكما عادَتِها، ارتَدَتْ قمِيصَها الأبيضِ مُكَشكَشِ الصّدرِ ذو الأكمامِ الطويلةِ وتنّورَتها السوداء الضيّقة ذاتِ الشبرينِ القادرةِ على بلوغِ رُكبَتيْها بأزرارٍ تستَجِيرُ صُراخاً كلَّما أرادَتْ إغلاقها
انتعَلَت حذاءها بكعبه العالي،المميز بصوت نقره على الأرض: "تِك،تَك،تِك،تَك" بدت جاهزةً لمغادرة المنزل بيدٍ عُلّقَ على مِعصَمِها حقيبةً جلديّة صغيرة.
_يا إلهي لقد نسيتُ ارتداء مشَدّيَ السحريّ الذي يرفعُ مؤخّرتِي، فذلك المُحَملِقُ "رشيد" _ خبير الشبكات في الشركة_ لا ينفكُّ يسترِقُ النَّظَر إليها ليبْتَلِع ضحكاتٍ أجزِمُ أنَْها كانت لتدوِّي في أرجاءِ مكتبِهِ لو أنه أطلقها.
غادرتُ المنزل صباحاً إلى العمل ، أجهلُ كم كانت الساعة، فمزاجيّتي ومنصبي يُخوّلاني الوصولَ متى شِئْت، حشرتُ عرَبَتي في الموقِفِ المخصّصِ للأستاذ رشيد، انتبهتُ أنه لم يَصِلْ بعدُ على غيرِ عادتِه حيثُ نراهُ يطبعُ بصمةَ يدِهِ مُعلناً بدءَ دوامِهِ ، يُبَلّلُ راحته برذاذٍ من ريقه ليمسح بها على شعره الملتصِق برأسِه تكادُ تحسبهُ قطعةً واحدة، يهزُّ يمناهُ التي ما فارقت جُعبَةَ بنطالِه يوماً ليُسمِعنا جرسَ "أنا هنا" ببِضْعَة قطعٍ معدنيةٍ من النقود ترنّ: "واثقُ الخطواتِ يمشي مُباعدها".
تسارعتُ في خطواتي، نفثتُ ثلاث هاءاتٍ مفخّمةٍ على عدستيْ نظّارتي :"ها، ها، ها "
لمّعتُها مستَعينَةً بطرفِ قميصيَ المُنسدل ، وأطلقتُ "إحم إحم" من حُنجرتي لأّعيد لصوتي نبرتَه الكلثوميّة قبَل أن أُتكتِك بأظافري على شُبّاك مكتبِ المدير الذي أشرقَتْ تجاعيدُ وجههِ بابتسامةٍ ذهبيّة السنّ يستقبلُني بها.
_صباحُ الخير أستاذ
_ صباح الوردِ والرياحين
_ألا ترى أن أحدهم قد تأخّر عن دوامِه؟
_ وأي وجهٍ سيُقابلني به بعد أن تسبّب في تهشُّم مؤخرة عربتي عقب نهاية دوام البارحة؟! ثمّ إنهُ لايزالُ يرقُد في المستشفى إثر إصابة بالغةٍ ،عالجَت رأسه، فتسبّبت في شقٍّ عميق.
_ آها، شفاه الله ، تُرى في أي مسشفى؟
_في التخصصي المجاور للشركة.
تفرُك يديها، تُتمتمُ في سرّها :
لطالما انتظرتِ فرصةً كهذه يا دلال وقد ساقَها القدَرُ إليكِ ، إيّاكِ وفواتِها.
حسناً، أستأذِنُك أستاذ عليّ إنهاء عملي.
ركضَتْ مسرعةً إلى مكتبها، أضافت طبقةً ثامنةً من مساحيقِ التجميل على وجهها، عَرَكت شفتيها ببعضهما مُسبغةً أحمر الشفاه جيداً.
دقائق وإذ بطرقاتٍ مألوفةٍ لمسامع رشيد تقرعُ باب غرفته على عُجالة.
_لا، أيُعقل أن تكونَ دجاجة؟ أقصد الآنسة دجاجة؟! يبدو أن صاحب السن الذهبي أخبرها بوجودي هنا، لا، لا أظنها تفعلها، تفضل..
_ لكَ أن تعتبر زيارتي هذه بمثابَة صفحٍ عمّا اقترفتهُ من ذنبٍ بحقي في المطعم تلك الليلة، لنتقاسم قليلاً من الحلوى عُربون صُلحٍ لا خصامَ بعده.
اقتربتْ منه جلستْ بمحاذاةِ سريره، استدارتْ لتعطي ظهرها له، قرصتْ وجنتيْها، فالمشهد القادم يستلزم قليلاً من حُمرة الحياء عليهما.
_سلامتُك، كيف هو حالُ إصابتك؟
أَوْمَأ رشيد برأسه، علِقَتْ بضعُ كلماتٍ في حلقه، أن الحمد لله لكن دُون أن ينْبِس ببنتِ شِفّة.
قدّمتْ قطعة الحلوى وتسمرتْ عيناها على فيهِ رشيد مترقبةً حصول أمرٍ ما، تشمئزُّ فتكلم نفسها :
كم أمقتُ طريقة مضغِك للطعام بأصواتٍ مختلفةٍ تضطربُ لها معدتي، ليس مهماً سأعتادُها، طالما صمَدَتْ هذه الشامةُ المثملةُ في أنفكَ بشعيراتها الثلاثِ الآسرة.
لكن أين هو؟! تُراه في هذه اللقمة؟ هيّا هيّا، يقتلُني الحماس لأرى ردّة فعلك ، فرغم سذاجتكَ وعدم استجابتكَ لمحاولاتي المتكررة في لفتِ نظرك وإثارة غيرَتك، إلّا أنك ستُسعد بمفاجأتي، كما أنها ستكون سبباً لصفحِ المدير عنك وعن فعلتك الشنيعة، نعم نعم أظنّه إلتقطه..
شيء ما علق في فَمِ رشيد جعل من عينيه جحوظاً بارزاً يتفحّصُ ملامح الآنسة دجاجة ومن لسانِهِ أداة استكشافٍ تتعرف على ما قد حُشر في الحلوى طُعماً له، لتساوره الشكوك فيحدّث نفسه:
_ ماهذا، أشعُر، ربّاه ، لا، لا، أرجوك ، خاتم، إنه خاتم،لم دست لي خاتماً في الحلوى؟ مالذي رمَت إليه من هذا؟
ارتسمتْ عروق عينيه حمراء كالجمر، برقتْ دمعتان فيهما:
دجاجة، المدير، عملي، العربة.....
واستقرّ الخاتم في حلقه بين خيارين إمّا أن يبتلعه وكأنّ شيئاً لم يكُن أو.....

facebook


إرسال تعليق

شظايا مبدعة