" ترايكس بيكو " لـ موسى الخطيب -->

إعلان أدسنس

آخر المواضيع

breaking/مقالات/9

الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

أكتوبر 18, 2017

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي


ترايكس بيكو

تخيلوا المشهد
فتاة ضُمتْ فاؤها وفتحتْ تاؤها المربوطة هناك، وأمرأةٌ ترضعُ ابنها الصغيرَ نفطاً خاماً هنا
وهياكلٌ وثنيةٌ تملأُ الشوارعَ المكتظةَ باللاوعي
وشبابٌ يوارونَ الأجوبة في مؤخِرات السؤال، مقسمون إلى مجموعاتٍ متزاحمةٍ غير آبهينَ بمتعةِ الفواصل، والرهاناتُ بينهم في أوجها
وكأنّي أشاهدُ مصارعةَ ديوكٍ فيليبينية.
عجوزانِ على الرصيفِ المقابلِ للمقهى، يلعبان طاولةَ الزهرِ
<هي في النهاية كما أعتقد لعبة خاسرة وبقايا إنسان>
وحبيبتي السابقة تمشي على خطواتي القديمة، وتجرّ وراءها كلباً يحمل في فمه فردة حذائي الذي اهترأ على طريق السكن الجامعي، لأتفاجئ يوماً ما بأنها استقالتْ من دائرة العمر الحكومية.
<ربما الكلاب تتذوق تعب الحب بفمها لا بأقدامها>
ونحنُ الثلاثة جالسون في زاويةِ المقهى كما اعتدنا دائماً، ننتظرُ صديقَنا الرابع، ليكتملَ العدد ونبدأ لعبة "التريكس"
في النصفِ ساعة التي يقضيها ليصلَ إلينا تذكرتُ مدرستَنا عندما كناّ في المرحلةِ الإبتدائية، وكيفَ كنّا نتسابقُ لترديدِ الشعار "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"
والغيرةُ من ذلك الطفلِ الذي يضعُ على كتفهِ ثلاثَ شاراتٍ بألوانٍ مختلفة مردداً كل صباح "رفيقي الطليعي كن مستعداً دائماً لبناء المجتمع العربي الإشتراكي الموحد والدفاع عنه"
ليسمع "مستعدٌ دائماً"
أنا لم أستعد أبداً
أتعرفون لماذا؟ لأني كنتُ الذي يرددُ الشعار فزوجةُ عمّي موجهةٌ في المدرسةِ ولي الحق بأنْ أرثَ هذا المنصبَ عن ابنها الذي صارَ في المرحلةِ الإعدادية.
كبرنا أخيراً وأدركنا مع الأسف أننا لسنا أمةً عربيةً واحدة ولم نبني مجتمعاً عربياً موحداً
أدركنا أنّ كل الذي يجمعُنا هو لعبة "تريكس" في مقهى يعجُ بالدخان.
وصلَ أخيراً
أحضرنا الورق وبدأتِ اللعبة
هذه اللعبة التي لطالما ربحتُ فيها كثيراً وما زلتُ أشعرُ بالخسارة
لقد اعتدينا على قوانين الرياضياتِ، فالواحدُ أقوى من كلّ الأعداد
وبدلاً من أنْ نطعمَ شيخ الكبة "الختيار" كنا نأكله
وبدلاً من أن نحافظَ على أربعِ بناتٍ كنا نتاجرُ بهن من أجلِ مئة إضافية للنتيجة، وإنْ ساءتِ الأحوالُ ولمْ نجدْ لبنتٍ منهن تصريفة كنا نأكلها على العشاءِ
أما الشبابُ فهمُ القادة، يقفونَ في الأمامِ وتتبعهم الجنود،
كنا نقتلُ أحدَ الجنودِ ونتهمُ البقية بالجريمة، ونسجنُ آخر خوفاً من أن ينقلبَ علينا ويتواطئ مع العدو،
خسارةٌ كاملةٌ بكل المقاييس وعلى كافةِ الأصعدة.
لنعدْ إلى المشهد
فتاةٌ وامرأةٌ وشبابٌ وعجوزان وحبيبتي السابقة ونحنُ الأربعة
الفتاةُ صارتْ فُتات، والمرأةُ ماتت بعدَ أنِ اختنقَ ابنها بالنفطِ الخام
والشبابُ منهم من يرغبُ باحتلالِ عيني الفتاة ومنهم من يريدُ تذوق أحمرِ شفاهها ومنهم من يريدُ أن يفترشَ أو بالأحرى أن يفترسَ جسدها
والبقيةُ ينظرونَ إلى المرأةِ بعيونٍ ذابلةٍ وقوى خائرة،
وكأنهم يحسدونَ الطفلَ على موقعه
والعجوزانِ اختلفا وهما الآن حالياً في المحكمةِ بقضيةٍ عنوانها "عراك على طاولة الزهر"
وحبيبتي السابقة تحاول إزالة بصماتها عن خطواتي ففي مدينتنا إذا فقدت البصمات تسجل الخيانة ضد مجهول
ونحن الأربعة ما زلنا نخوضُ في نقاشنا العقيمِ، من أخطأَ ومن أصابَ؟!
أيّ جيل نحن؟
فلنعدْ إلى رشدِنا أو كما نكونُ يولّى علينا
ولندركْ تماماً أن هناكَ فرق كبير بين الأرضِ والوطن، وبين الإنسان والإنسانية، وبين العابد والمعبود
فالأرضُ تدورُ حولَ نفسِها لتقنعنا أن الشمسَ حقيقةٌ في النهارِ وكذبة في الليل.
وتدورُ حولَ الشمس أيضاً لتجعلنا كل ثلاثة أشهر نعيش نمطاً جديداً من تقلباتها.
على كل حال هي ماكرةٌ في تصرفاتها
أما الوطنُ ثابتٌ في كأس الماء، وحركات العيون، يضمنا كلّنا في سهرة، ويعلمنا أننا أخوة في الدمِ، وأننا أخوة التراب.
وإذا ما حلّ الشتاء يحوّل السماءَ لطفلةٍ تبكي على بابِ البيت
فيرقّ في البيتِ المجاورِ قلب،ٌ ويجتمع كل الناس على قولٍ واحد
أما عن الفرقِ بين الإنسانِ والإنسانية والعابدِ والمعبود لن أتكلم عنه
لأنه عندما نعودُ إلى رشدِنا سنجدُه منقوشاً في أكفّنا نصّ قصيدة وروايتين.


موسى خطيب

إرسال تعليق

شظايا مبدعة