" جنون المطر " لـ هديل بشار -->

إعلان أدسنس

آخر المواضيع

breaking/مقالات/9

الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

أكتوبر 18, 2017

تكبير النص تصغير النص أعادة للحجم الطبيعي


قدمايَ تؤلمانني ،والفستانُ ضيّقٌ أيضاً.!
يجبُ عليّ أن أتمرّنَ على السّير مستقيمة الظّهر ، وخمسُ كتبٍ فوق رأسي .!
آهٍ من أمّي وقوانين الإتيكيت الصّارمة ، الكعبُ العالي ممشوقٌ قوامه أكثر من ظهري المتأوّه ألماً .!
تأتيني أمّي بمجموعة نصائح عن مايُقال ومالايُقال أمام الخاطبين الجدُد ، فهم من عائلةٍ مرموقة .
يكادُ حذائي الرّياضي ينفطرُ قلبه لأنّ أمّي رمتهُ أسفلَ الخزانة .!
بعدَ ساعةٍ كاملة وأنا بين يدي أمّي كَمُجنّدٍ في الخدمةِ الإلزامية .!
سألتُها :
_أمّي ، هل سيجلسُ الضّيوف على السّقف ؟
_ ؟!!
ساعدني ياالله ، هاقد بدأت ابنتي جنونها
_مابكِ ياغالية ؟ لقد نظّفتُ السّقف توّاً ، فكنتُ أتساءَل ماشأن الضّيوف به ؟!
_ اذهبي ، اذهبي وأفرغي زجاجة العطرِ على فستانك ، سيصلون قريباً.
طأطأتُ رأسي ودخلتُ غرفتي وأنا أمشي "كالرّوبوت " الآلي ، ولكم أشتهي أن أكسر كعبَ حِذائي برأسِ العريس الجديد .!
رنّ جرسُ البيت ، أحسستُ كأنّ مطافئُ البلد رنّ جرسُ إنذارها ، فالنّار اشتعلت في رأسي خوفاً من أن أُغضبَ أمّي بتصرّفٍ أحمقَ منّي .
تنّفستُ الصّعداء ، خرجتُ من غرفتي دون تردّد ، وأتيتُ بالعصير لهم حسبَ طلبِ أمّي .
بعدَ سنةٍ ضوئية حسبَ توقيتي وساعةٍ تلدغُ عقارِبها نفاذَ صَبري حسبَ توقيتِ حاراتِ دمشقَ القديمة .
العريسُ شابٌّ جميل ، لا أُنكر أنّي أُعجِبتُ ببنفسجِ قميصه وعطرهِ الباريسيَّ بنكهةِ الخشب ، لكنّ أناقتهُ لم تُقنع أروقةَ بصري كي لا أراهُ مُدلّل أمّه الثّري .!
فأمّهُ استنفَذت كلّ طاقاتي الإيجابية في تحمّل أسئِلتها السّخيفة وهو كالأبلهِ أمامها لم أسمع صوته حتّى .!
بعدَ ولائم العصير والفواكه والحلويات ، طلبت منّي أمّي أن أُحضّرَ لهم القهوة .
استغفرتُ ربّي ثلاثاً وطلبتُ من الله أن يُمضي هذا النّهار دون أيّ مشاكل .
أتيتُهم بالقهوة ولأنّي كنتُ أتمايلُ يميناً وشمالاً بالكعبِ الغبيّ ، انسكبَ قليلٌ من القهوة على صحنِ فنجانِ حماتي العزيزة .!
اشمأزّت وكأنّي ثقبتُ أوزونَ غلافها الجويّ .!
بطريقةٍ مستفزّة قالت :
_ تصوّري إن أتيتِ منزلي وأخجلتني أمام ضيوفي هكذا ، ماذا سيكون موقفي ؟!
أُنثى المجتمعات الرّاقية تقفُ باستقامةٍ وثقة ولا يهزمها فنجان قهوة .!!
هنا فقط ، ابتلعت جميعَ غيظي ونفثتهُ في وجهها دُفعةً واحدة :


_ فنجانَ قهوةٍ يهزمني ؟؟؟؟!! يالثقافتكِ المُلفتة حقاً .!
لملمتُ شعري المَسدول ، خلعتُ حذائي ، نظرتُ نحو أمّي وهي ترى العاصفةَ قد هبّت أمامها دون أن تستطيع إيقافها .!
نظرتُ نحو مدلّلِ أمّه وقلت له :
_أنت .. ماموقعكَ هنا ؟ أتيتَ لتطلبَ يد فنجانِ قهوة ؟!
أنظر نحوي يا "تؤبر" قلب أمك ،
أنا مجنونة ، حادّةُ الطّباع ، مزاجيّة ، يُغريني بريقُ الكُتب أكثر من بريق خاتمك الألماس .!
كلامُ أمّكَ المعسول تحمّلته إرضاءً لرغبة أمّي وكلّ ماحدّثتكم به منذُ بدايةِ جلستنا كذبٌ في كذب .
أكرهُ الجلسات النّسائية جداً ككرهي لحديثهنّ السّخيف ، فأنا سيّئةٌ في كلامِ القيل والقال ولاأجيدُ التّباهي بفُستاني ذو "الماركة" الغاليةِ الثّمن ، كما لا يمكنني إفسادُ متعةِ سفري مع من أحبّ بالصّورِ الكثيرة كي أنشرها على مواقع التّواصل المنافقة .!
أنا هكذا أحبّ التّفاصيل بأدقّ صورها وأعشقُ حريّة نبضي ، ولا أقبل بطريقة الزواج القديمة هذه .!
صاحت أمّي وقد تلوّنَ وجهها بألف لون :
_كفى .!!
أعتذر عن سوء تصرّف قليلة الأدب هذه.
صديقتها التي اختارت اللّون الأصفر لوجهها ،فاهُها الذي فغرته ماعادَ ينطق ، دهشةُ حدقتيها لم تتسع لمُباغتةِ الصّدقِ في عيني .!
ابنُها الأنيق ابتسمَ بدهاءٍ وأسمعني رغبةَ حباله الصّوتية في الكلام أخيراً:
_أمي ..
أنا أريدُ هذه المجنونة .!
ابتلعتِ الأمّ شهقتها ب "يشكل آسها " المدلل ، واستأذنت بالخروج قبل أن يُعلنَ ابنها تمرّده .!
دخلتُ غرفتي وأقفلتُ الباب ، مُتحاشيةً غضبَ أمّي وتركتها في الخارج تندبُ حظّها منذ وُلدت الخليقة .!
يرنّ هاتفي فإذا بها رسالة اعتذار من مدلل أمه :
_ وكأنّكِ آخر أنبياءِ الشّتاء ،
بجناحين من ماء ،
مزّقتِ شرنقتي لأطير ،
وأقاسم عطرَ مسامكِ ،
جنون المطر ..!
حسناً ، يبدو أنّ المدلّل الأنيق المُهذّب شاعرٌ محتال، هذا يشفعُ له أيضاً .!!

facebook



إرسال تعليق

شظايا مبدعة